الأحد، 27 فبراير 2011

عندما تكون بعيدا


" يهزمهم صوت ورقة مندفعة فيهربون كالهرب من السيف و يسقطون و ليس طارد "( لا 26: 36 )


هذا هو الخوف الذي تحدث عنه الكتاب المقدس ، هذا النوع من الخوف الذي بدون سبب حقيقي يؤكده و يدل عليه ، انما هو خوف من خطر وهمي ، خوف من أسود وهمية مخيفة لا تتواجد إلا في الذهن ، و منها ينشط الأسد الحقيقي .. ابليس ، عاملا لايذاء بني الانسان و ابعاد ابناء الله عن السلام المتروك لهم " ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو " ( ابط 5: 8 )


وهم الخوف ليس في كونه غير قوي و فعال بالانسان ، او انه يتوهم احساس خاطئ ، بل في كونه احساس في منتهى الشدة يعمل داخل الشخص بقوة لكنه وهمي ، اي ان الاسباب التي يتصورها الشخص حينها لا دليل لها من الصحة و لا وجود لها الا في مخيلته او بسبب تجاربه السابقة المؤلمة ، الاحساس حقيقي ، لكن السبب غير حقيقي ،مما يجعله يؤتي تصرفات و ردود افعال ما كان لها داع من الاساس.


و عن الأسباب التي صورت وجود اسود وهمية في مخيلة كل انسان يعاني من الخوف و عن النتائج الناجمة و كيفية المواجهة تحدث الأب دانيال في كتابه " الأسد في الخارج " .


يصف داود النبي حالة الخائف دون سبب حقيقي " خافوا خوفا و لم يكن خوف " ( مز 53 : 5 )


و بمقارنة الشخص الخائف الذي ادى بعده عن الرب مصدر الحياة الى زرع هذا الاحساس بعدم الامان نجد ان " الشرير يهرب و لا طارد اما الصديقون فكشبل ثبيت " ( ام 28 : 1 )


عندما خاف شاول من داود ( ا صم 18 : 12 ) خوفا شديدا وهميا عذبه لسنوات طويلة ، اهدر بسبب هذا الاحساس طاقاته ، اساء الى ابنه ( 1 صم 20 : 33 ) و زوجته ( 1 صم 20 : 30 ) و الى خدام الرب ( 1 صم 22 : 17-19 )

، انصرف عن الاهتمام بمملكته و جيشه بيننما كان يلاحق داود فانهزم هزيمة ساحقة في معركة جبل جلبوع و سقط هو و ثلاثة من اولاده قتلى ( 1 صم 31 : 6 )


عندما اصيب نعمان رئيس جيش مملكة آرام بالبرص قامت قتاة صغيرة من شعب الرب كانت قد اخذت اسيرة باخبار زوجته بقدرة النبي اليشع الذي من شعبها على شفاء نعمان من هذا المرض ، و حينما طلب نعمان من ملك ارام ان يسمح له بالذهاب لمملكة اسرائيل لمقابلة اليشع لكي يشفيه وافق الملك و ارسل معه رسالة الى ملك اسرائيل يهورام يقول له فيها " قد ارسلت اليك نعمان عبدي فاشفيه من برصه " ( 2 مل 5 : 6 )

لكن لان يهورام راى في هذه الرسالة اسد في الخارج ، راى فيها و كأن تهديدا يُرسل اليه في صورة ضمنية ، و ان هذا الملك يريد ان يجد سببا يتعلل به ليهجم عليه فبعث رسالة لا يمكن تنفيذها

فهو لم يفهم الا ان الملك يريده هو نفسه ان يشفى نعمان

مع ان فحوى رسالة الملك تطلب ان يُشفى نعمان من برصه على يدي رجل الله اليشع

لم يرى فيها الا سطورها

و لم يفهم الا ما يؤكد خوفه او سببا للمزيد من الخوف

خاف يهورام من خطر وهمي لا وجود له

فلو كان يرغب في الهجوم عليه لفعل هذا دون ارسال اي رسائل منتهزا عنصر المفاجاة ، و ما كان ارسل هدايا ، ذهب و فضة و ثياب غالية ، لكن الخوف اعمى عينيه

فلم يفكر الا بغباء

و توقع الاسوا و هو الشر حتى دون ان يكون هناك ما يبرر او يفسره ، مع ان الحقيقة التي كان من السهل على اي شخص رؤيتها هي على العكس تماما مما تصوره ،

هو فقط راى خوفه متجليا في رسالة و توقعه للشر اتيا اليه مغلفا بهدايا و كلام غير حقيقي و غير قابل للتنفيذ.

و بالطبع وسط كل هذ الخوف و القلق نسى ان بالقرب منه اليشع و له موهبة شفاء ، لقد نسى الجيد و نسى وجود الرب و المتكلمين و الفاعلين باسمه و لم يتذكر الا خوفه هو ، على العكس من تلك الفتاة الصغيرة الاسيرة التي لم تفكر الا في النبي اليشع و هي ليست في ارضها .


و رغم من ان شاول و يهورام من شعب الرب ، الا ان انتماؤهما لشعب الرب انتماءا شكليا ، دون معرفة حقيقية بالرب .


لا يوجد فرق بين الشخص المسيحي و غير المسيحي ، الفارق يوجد فقط في العلاقة الحقيقية الحية مع الرب يسوع ، هي فقط التي تعطي السلام العجيب الذي وعد الرب به ابناؤه و مؤمنيه

" و سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم و افكاركم في المسيح يسوع " ( في 4 : 7 )


ايماني النظري ، المعرفة العقلية ، الصلاة الشفهية التي لا تاتي من القلب لا يشعر بها اللسان و لا ُتؤتي سلاما ، سلام الرب لخائفيه ، ترك الرب سلاما على الارض ، لكنه خص المؤمنين بسلامه هو " سلاما اترك لكم ، سلامي انا اعطيكم "


بعدل الله هو لن يؤذيني او يعطيني الخوف ان اخترت البعد عنه ، فهو اختياري الذي يحترمه ، لكن سلامه الخاص لشخصي لن امتلكه ،

ليس اذلالا منه لي ، انما هو لتابعيه .

فان اخترت الا اكون منهم لن يعاقبني بان يسلبني كل سلام او راحة في هذا العالم و انما هذا الذي لخاصته لن اخذه لانني ببساطة لست منهم ، و انما سلامه للارض موجود و ساتمتع به .


و ساكون انا ما بين هذا السلام المتروك للأرض و بين ابليس الذي يحاول بكل قوته في افساد هذا السلام ،

اما باعطاء بديل غير حقيقي له ،

او بافساد نفس الانسان فلا يشعر بسلام ،

او ببذر الشر و ما من جاني لثمار الالم و التعاسة سوى الانسان الذي لا وطن له و لا مسكن مع الرب .


انا فقط من اختار و اقرر ، هو ... ام الارض .


حينما اطلب الاستقالة من عمل ، فصاحب العمل العادل سيعطيني حقوقي المالية ، تبعا لسياسة شركته التي وافقت عليها من البداية ،

و لانه عادل فهو لن يؤذيني ان عملت في مكان اخر حتى و ان كان هو المنافس الوحيد له ،

لي مطلق الحرية ، لكن لا يحق لي ان ابدا في مطالبته بحوافز موظفيه التي يدفعها شهريا ،

هي فقط لخاصته ، و كنت اتمتع بها حينما كنت ضمنهم ، و كان يغدق علي بكل شئ ، انما الان لن اتمتع بها ، لانني ببساطة طلبت الخروج ،

و بينما انا خارجا ، لا يحق لي ان الومه لكوني لست مشاركة لموظفيه في حوافزهم المادية ، هي فقط لتابعيه ،

لكنه لا يزال لا يريد الا الخير لي ، و يتمنى ان كنت معه فيظل يعطيني كما كان يحب ان يفعل ، و ان اعود لاتمتع بسخاؤه مرة ثانية ،

فهو لم يستبدلني باي شخص اخر و لن يفعل .